غير مصنففن و ثقافةمجتمع
أخر الأخبار

إحدى خواطر الشيخ الشعراوي “تزيين الحياة الدنيا”

ديناحمدي_القاهرة/مصر

نقدم لكم خاطره من خواطر الإمام الشعراوى حول سورة البقرة فى الآية رقم (212): «زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ».يريد الله سبحانه وتعالى أن يظهر واقع الإنسان فى الكون، هذا الواقع الذى يدل على أنه سيد ذلك الكون، أي أن كل الأجناس تخدمه، وقد عرفنا أن الجماد يخدم النبات، والجماد والنبات يخدمان الحيوان، والجماد والنبات والحيوان تخدم الإنسان، إذًا فالإنسان سيد هذه الأجناس. و لكن بمنطقية عقل الإنسان أن يبحث عن جنس أعلى منه، فكما كانت الأجناس التى دونه فى خدمته، فلابد أن يكون هذا الجنس الأعلى يناسب سيادته، ولن يجد شيئاً فى الوجود أبداً أعلى من الجنس الذى ينتسب إليه، لذلك كان المفروض أن يقول الإنسان: أنا أريد جنساً ينبهنى عن نفسي؛ فأنا فى أشد الاحتياج إليه، فإذا جاء الرسل.وقالوا: إن الذى أعلى منك أيها الإنسان هو الله وليس كمثله شيء وتعالى عن كل الأجناس، كان يجب على الإنسان أن يقول: مرحبا؛ لأن معرفة الله تحل له اللغز، فالرسل جاءوا ليحلوا للإنسان لغزاً يبحث عنه، وكان على الإنسان أن يفرح بمجيء الرسل.خاصةً أن الله عز وجل لا يريد خدمة منه، إن الإنسان هو الذى يحتاج لعبادة الله ليسخر له الكائنات، ويعبده ليعزه، إذن فالمؤمن بين أمرين: بين خادم له مسخر وهو من دونه من الجماد والنبات والحيوان. و معطٍ متفضلٍ عليه مُختارٍ وهو أعلى منه، إنه هو الله، فمن يأخذ واحدة ويترك واحدة فقد أخذ الأدنى وترك الأعلى، فيقول له الحق: خذ الأعلى، فإذا كنت سعيداً بعطاء المخلوقات الأدنى منك، وتحب أن تستزيد منها فكيف لا تستزيد ممن هو أعلى منك؟، إنه الله هو الحق عندما يقول: «زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الحياة الدنيا» فهو يريد أن يلفتنا إلى أن مقاييس الكافرين ,مقاييس هابطة نازلة؛ لأن ما زُين لهم هو الأمر الأدنى. و من خطأ التقدير أن يأخذ الإنسان الأمر الأدنى و يفضله على الأعلى، وكلمة «زُيِّنَ» عندما تأتى فى القرآن تكون مبنية لما لم يسم فاعله مثل قوله تعالى: «زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشهوات مِنَ النساء و البنين و القناطير المقنطرة مِنَ الذهب و الفضة»، هناك «زُيِّنَ لِلنَّاسِ» و فى آية البقرة التى نحن بصددها «زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ» لماذا قال الله هناك: «زُيِّنَ لِلنَّاسِ» و لماذا قال هنا: «زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ»؟ لقد قال الحق ذلك لأن الذين كفروا ليس عندهم إلا الحياة الدنيا، فالأعلى لا يؤمنون به، و لكن فى مسألة الناس عامة عندما يقول الله عز وجل: «زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشهوات مِنَ النساء و البنين و القناطير المقنطرة مِنَ الذهب و الفضة و الخيل المسومة و الأنعام و الحرث ذلك مَتَاعُ الحياة الدنيا والله عِنْدَهُ حُسْنُ المآب» فهو سبحانه يقول للناس: خذوا الحياة على قدرها، وزُينت يعنى حسُنت.فمن الذى حسنها؟ لقد حسنها الله عز و جل. فكيف تنسى الذى حسنها لك، و جعلها جميلة و جعلها تحت تصرفك، كان يجب أن تأخذها وسيلة للإيمان بمن رزقك إياها، و كلما ترى شيئاً جميلاً فى الوجود تقول: (سبحان الله)، و تزداد إيماناً بالله، أما أن تأخذ المسألة وتعزلها عمن خلقها فذلك هو المقياس الأدنى. أي أن الله سبحانه و تعالى هو الذى زينها بأن جعل فى الناس غرائز تميل إلى ما تعطيه هذه الحياة الدنيا، و نقول : هل أعطى سبحانه الغرائز و لم يعط منهجاً لتعلية هذه الغرائز؟ لا، لقد أعطى الغرائز و أعطى المنهج لتعلية الغرائز، فلا تأخذ هذه و تترك تلك، و لذلك يقول الحق: «و الباقيات الصالحات خَيْرٌ» و الحق عندما يقول: «زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الحياة الدنيا» فهو يفضح من يعتقدون أنه لا حياة بعد هذه الحياة. و نقول لهم : هذا مقياس نازل، و ميزان غير دقيق، و دليل على الحمق, لأنكم ذهبتم إلى الأدنى و تركتم الأعلى، و من العجيب أنكم فعلتم ذلك ثم يكون بينكم و بين من اختار الأعلى هذه المفارقات، أنتم فى الأدنى و تسخرون من الذين التفتوا إلى الأعلى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى