ترأس الملك محمد السادس، أمس الإثنين الماضي بالقصر الملكي بالدار البيضاء، جلسة عمل خُصصت لموضوع مُراجعة مدونة الأسرة، جاءت في أعقاب رفع الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، بعد انتهاء مهامها داخل الأجل المحدد لها، إلى الملك محمد السادس، تقريرا يتضمن أكثر من مائة مقترح تعديل.
ويعكس تخصيص الملك محمد السادس لجلسة عمل خاصة لمناقشة مراجعة مدونة الأسرة، الأهمية الخاصة والعناية البالغة التي يوليها جلالته لهذا الموضوع، الذي يهم جميع رعاياه، وينشد تحقيق مصلحتهم العليا، ويروم إرساء قواعد متينة للأسرة، باعتبارها النواة الأساسية للمجتمع.
وقد حضر جلسة العمل هذه، عن الجانب الحكومي، رئيس الحكومة عزيز أخنوش، باعتباره المسؤول عن الحكومة التي سوف تتولى تقديم مشروع قانون مراجعة مدونة الأسرة أمام القوس تيفي، وبوصفه كذلك المخاطب في الرسالة السامية التي وجهها الملك محمد السادس بتاريخ 26 شتنبر 2023 والقاضية بإعادة النظر في مدونة الأسرة؛ كما حضر وزير العدل وتناول الكلمة بين يدي الملك محمد السادس بصفته عضوا في الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، وباعتباره كذلك الوزير الذي سيتولى تقديم ومواكبة النقاش خلال مرحلة التشريع.
أما حضور وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية لجلسة العمل هاته، فقد كان بصفته عضوا في المجلس العلمي الأعلى، المكلف بعرض خلاصات الرأي الشرعي للمجلس في بعض المقترحات المرتبطة بنصوص دينية، والتي شكلت موضوع الإحالة الملكية على المجلس العلمي الأعلى بتاريخ 28 يونيو 2024. كما حضرت وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، نعيمة ابن يحيى، بالنظر إلى أن النقاش المرتبط بمدونة الأسرة يتقاطع مع اختصاص القطاع الوزاري المسؤول عن الأسرة.
وتندرج مراجعة مدونة الأسرة، التي أطلقها الملك محمد السادس، في إطار الإرادة الملكية الرامية إلى تعزيز وتحصين الخلية الأسرية كركيزة أساسية للمجتمع المغربي. كما تندرج أيضا هذه المراجعة في إطار استمرارية إصلاح سنة 2004، الذي شكل منعطفا أساسيا في مجال حقوق النساء والنهوض بأحوالهن، وإرساء تفرد النموذج المغربي على المستويين الإقليمي والدولي.
ومن خلال هذه المدونة، يمهد الملك محمد السادس، مرة أخرى، الطريق مستجيبا للرهانات المعاصرة، مع الوفاء لمبادئ الإسلام ولخصوصيات الأسرة المغربية، في احترام لمبادئ المساواة والعدالة والتضامن.
وتسعى خطة العمل الإعلامية، التي سترافق نشر بلاغ الديوان الملكي، إلى التذكير بهذه الحقيقة التاريخية والعمل الذي يقوم به الملك محمد السادس، مبرزة البعد الشامل لهذا الإصلاح، ومؤكدة على الطابع الدينامي للاجتهاد.
أولا: الإطار العام لهذا النشاط الملكي
تُتوّج جلسة العمل هذه مسلسل التشاور والنقاش الموسع الذي اعتمده الملك محمد السادس لموضوع مراجعة مدونة الأسرة، والذي تميز بمروره بمراحل متدرجة ومتعددة من الإنصات والاستماع لجميع المتدخلين، وصياغة المقترحات وملاءمتها، وإبداء الرأي الفقهي بشأنها، والتحكيمات الملكية بخصوص بعض القضايا والمسائل المطروحة، لتصل أخيرا إلى مرحلة المبادرة التشريعية.
كما تأتي هذه الجلسة في أعقاب انتهاء المراحل التحضيرية لمسلسل مراجعة مدونة الأسرة، خصوصا بعد رفع الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة إلى الملك محمد السادس، داخل الأجل المحدد لها، تقريرا يتضمن أكثر من مائة مقترح تعديل، وبعدما تفضل الملك محمد السادس أمير المؤمنين بإحالة المقترحات المرتبطة بنصوص دينية على نظر المجلس العلمي الأعلى، الذي أصدر بشأنها رأيا شرعيا، وكذلك بعد قيام الملك محمد السادس بالتحكيمات الضرورية التي تنشد مصلحة الأسرة المغربية وفق المرجعيات والغايات المرجوة، وفي ظل الضوابط التي حددها الملك محمد السادس وفي مقدمتها ضابط «عدم تحريم حلال ولا تحليل حرام».
وشكلت جلسة العمل هذه أيضا مناسبة للإعلان عن تكليف الحكومة بإطلاق المبادرة التشريعية، المتمثلة في تقديم مشروع قانون مراجعة مدونة الأسرة أمام مجلسي القوس تيفي.
ثانيا: تقديم منهجية عمل هيئة مراجعة مدونة الأسرة والخلاصات الشرعية للمجلس العلمي الأعلى
شكلت هذه الجلسة مناسبة لوزير العدل، بصفته عضوا في الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، ليستعرض بين يدي الملك محمد السادس، طريقة ومنهجية العمل التي ميزت عمل الهيئة، لاسيما جلسات الإنصات والاستماع، وأهم المقترحات المرفوعة إلى النظر المولوي السديد، والغايات والمقاصد المنشودة.
كما قدم وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، بصفته عضوا بالمجلس العلمي الأعلى، خلاصات الرأي الشرعي للمجلس، بخصوص القضايا المرتبطة بنصوص دينية والتي شكلت موضوع الإحالة الملكية السامية بتاريخ 28 يونيو 2024.
وقد قدمت الخلاصات المعروضة بين يدي الملك محمد السادس التقعيد الشرعي الضروري لبعض مقترحات هيئة مراجعة مدونة الأسرة، والتي فتحت باب المصلحة والاجتهاد البناء لإيجاد حلول مبتكرة تخدم مصالح الأسرة المغربية، وتضمن استمرارية كينونتها، في ظل الاحترام التام لأحكام الشرع.
ثالثا: توجيه ملكي يقضي بإحداث إطار مناسب للاجتهاد في موضوع الأسرة المغربية ضمن هيكلة المجلس العلمي الأعلى
دعا الملك محمد السادس المجلس العلمي الأعلى إلى إحداث إطار مناسب ضمن هيكلته، تكون مهمته هي مواصلة التفكير والاجتهاد البناء في موضوع الأسرة، وتعميق البحث في الإشكالات الفقهية التي تطرحها التطورات المحيطة بالأسرة المغربية، وما تتطلبه من أجوبة تجديدية تساير متطلبات العصر.
ويتطلع الملك محمد السادس، من خلال إحداث هذا الإطار المؤسساتي، إلى جعل باب الاجتهاد مفتوحا باستمرار بما يخدم المصلحة السامية للأسرة، في ظل تطور المجتمع، وأن لا يتطبع الاجتهاد بالطابع الموسمي أو يبقى رهينا بطلب الفتوى من المجلس العلمي الأعلى.
رابعا: الملك محمد السادس يشدد على التواصل مع الرأي العام.
كلف الملك محمد السادس رئيس الحكومة والوزراء المعنيين بضرورة وراهنية التواصل مع الرأي العام بخصوص موضوع مراجعة مدونة الأسرة، باعتبارها تهم جميع الشرائح والفئات المجتمعية، كما شدد الملك محمد السادس على إحاطة المواطنات والمواطنين بمستجدات مراجعة مدونة الأسرة، والمضامين الرئيسة لهذه المراجعة، والتي ستسهر الحكومة على حسن بلورتها وصياغتها في مبادرة تشريعية داخل آجال معقولة.
وتنفيذا لهذه التوجيهات الملكية، سيتم تقديم تصريح صحفي للرأي العام حول هذا الموضوع، يتضمن الخطوط العريضة لمراجعة مدونة الأسرة، والمراحل التي طبعت هذه المراجعة، والضوابط التي حكمتها، والغايات والمقاصد التي سطرتها.
خامسا: المرجعيات والضوابط المحددة للمبادرة التشريعية لبلورة مشروع مراجعة مدونة الأسرة.
ذكّر الملك محمد السادس بالمرجعيات والمرتكزات التي ينبغي أن تؤطّر المبادرة التشريعية لمراجعة مدونة الأسرة، وما سيليها من مناقشة وتصويت بمجلسي القوس تيفي، والتي ترتكز على الضوابط والمحددات التي جاءت في الرسالة الملكية الموجهة لرئيس الحكومة المتعلقة بإعادة النظر في مدونة الأسرة.
ومن أهم هذه الضوابط، أن مشروع مراجعة مدونة الأسرة يجب أن يستحضر مبادئ العدل والمساواة والتضامن والانسجام، النابعة من الدين الإسلامي الحنيف، ومن القيم الكونية المستمدة من الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب.
كما أكد الملك محمد السادس على ضرورة أن تستحضر المبادرة التشريعية إرادة الإصلاح والانفتاح على التطور، وضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، والنظر إلى مضامين المراجعة في تكامليتها، وأنها لا تنتصر لفئة دون أخرى، بل تهم الأسرة المغربية التي تشكل الخلية الأساسية للمجتمع.
وشدد الملك محمد السادس على ضرورة بلورة وصياغة المقترحات والاجتهادات المقدمة ضمن قواعد قانونية ونصوص تشريعية واضحة ومفهومة، تساعد على تطبيقها، وتسمح بتجاوز تضارب القراءات القضائية، وتدليل حالات التنازع بشأن تأويلها.
وعلى صعيد آخر، دعا الملك محمد السادس إلى ضرورة العناية بجميع المداخل الأخرى المدعمة والمعززة لمراجعة مدونة الأسرة، من خلال تدعيم تجربة قضاء الأسرة، ومراجعة النصوص التشريعية والتنظيمية ذات الصلة، وإعداد برامج توعوية تمكن المواطنات والمواطنين من الولوج إلى القانون، ومن استيعاب أكبر لحقوقهم وواجباتهم.