خلود رشاد -مصر/ القاهرة
يتجدد النقاش اللغوي في المغرب، المرتبط باستخدام الفرنسية في تدريس بعض المواد أو في الإدارات والمؤسسات العمومية، بعد إطلاق نشطاء حملة رقمية تحت وسم “لا للفرنسة”، متبوعا بوسم “العدالة اللغوية” يدعون من خلالها إلى توقيع عريضة رقمية، ناهز عدد الموقّعين عليها في اليوم الخامس من نشرها، ما يناهز ستة آلاف شخص، بمعدل توقيعات فاق 1000 توقيع في اليوم.
وحدد القائمون على العريضة المنشورة إلكترونيا قصد التوقيع في أحد أشهر مواقع العرائض العالمية، عنونَتَها بـ”نعم للعدالة اللغوية في المغرب ولا للفرنسة”، مع إرفاقها بـ”هاشتاغ” “لا للفرنسة” الذي صعد ضمن قائمة الأكثر تداولا في مواقع التواصل الاجتماعي بالمغرب، لا سيما في “تويتر” وفيسبوك”، طيلة الأيام القليلة الماضية، وسط تصاعد مطالب بـ”مأسسة قطيعة مع لغة المستعمر”.
يتضمن نص العريضة، معارضة “التدريس بالفرنسية، وكذا استخدام الفرنسية في المؤسسات الرسمية”، مع المناداة بـ “التدريس بالعربية، اللغة الرسمية والأولى في المملكة المغربية، التي تعبّر عن المشترك اللغوي بين مختلف مكونات شرائح البلاد”، على حد وصف واضعي العريضة.
وعلى بعد أسبوع من بداية موسم دراسي جديد بالمغرب، دعا المصدر ذاته إلى “التكتل كمغاربة، خصوصا رجالات ونساء قطاع التعليم من أساتذة وإداريين ومفتشين تربويين وآباء وأمهات، ومختلف مؤسسات المجتمع المدني، بل وجميع الهيئات والمؤسسات التي تهتم بمستقبل البلاد وأبنائها، من أجل الضغط على أصحاب القرار لرفع هذا الظلم الكبير والتوجه الخطير الذي لا يخدم بتاتا حاضر ومستقبل تلامذتنا، ويُنبئ بفشل ذريع لمنظومة التعليم ومزيد من التراجع للبحث العلمي والانحدار لمستوى التعليم العالي”.
واشارت العريضة أن “القانون الإطار 51.17 سنة 2019 يتضمن مسا خطيرا بمستقبل التعليم في المغرب ويتسبب في استمرار النزيف الذي أحدثته فرنسة التعليم العالي المغربي منذ عقود ولا زال مستمرا؛ إذ تسبب في فتح الباب للهيمنة الفرنسية على التعليم والقضاء على التعددية اللغوية بالصيغة التي يتضمنها”، داعية مختلف الهيئات والمؤسسات إلى أن “تعمل فورا على الدفع نحو تعديل هذا القانون لسد الثغرة التي أحدثها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه”.
“إن اعتماد الفرنسية كلغة تعليم وتلقين للتلاميذ يتضمن عدم احترام توجهات الوطن وقيَمه ودستوره ولغته”، يؤكد نص العريضة التي يسعى أصحابها من خلال جمع التوقيعات إلى لفت انتباه صانعي القرار إلى ضرورة “تعلم اللغات وتحسين ظروف تدريسها في حصصها المخصصة لها لأجل تمكين التلاميذ والطلبة من التواصل مع محيطهم الخارجي”، مشدّدين على “خوض معركة النفَس الطويل دون كلل أو ملل، مع الاستمرار في النشر على وسم #لا_للفرنسة ومشاركة العريضة والدعوة إلى توقيعها والتفاعل مع محتواها حتى تحقيق كامل أهدافها”، وفق تعبيرهم.
وقال فؤاد بوعلي، رئيس “الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية بالمغرب”، إن “العريضة التي تطالب بطرد الفرنسية من المدرسة المغربية ليست جديدة الموضوع، بل هو متجدد ومتكرر منذ عهد الاستعمار إلى الآن”، مفسّرا ذلك بالقول: “ليست مجرد لغة للتواصل العلمي والتقني أو حتى لغة العلوم، بل هي لغة سياسية وثقافية تحاول فرض حمولتها على المتلقي”.
ولفت بوعلي، إلى أن لغة موليير “بدأت تفقد، في كل يوم، مساحات هامة في مجال التواصل العلمي والتقني، إلا أنها في أغلب دول إفريقيا والبلدان المغاربية تظل لغة صراعية واستعمارية، ولغة تحاول أن تفرض ثقافتها وحمولتها القيمية على الدول الموجّهة إليها بطابع سياسي لا يخفى”.
واضاف رئيس الائتلاف الوطني أن “الصراع ضد الفرنسية ومواجهتها هو-في عمقه-مواجهة النزوع الاستعماري الفرنسي، المتجلّي سياسيا وثقافيا واقتصاديا وحتى اجتماعياً في مجموعة من المظاهر المعروفة بالمغرب”، موضحا أن هذه العريضة “ليست جديدة من حيث الموضوع والحمولة ولكنها قديمة قدَم المواجهة ضد الاستعمار الفرنسي”، موردا أن “الحركة الوطنية منذ بداية المقاومة والتحرر كانت ترى أن أهم عناصر التميز عن المستعمر هو اللغة، ومواجهتها ضرورة للمقاومة”.
وخلص المتحدث ذاته إلى أن “الظرفية الحالية تتضمن مستجدات لعل أهمها المنحى الاستراتيجي والاقتصادي والسياسي الذي رسمه المغرب مؤخرا، ما جعله يخرج تدريجيا من ربقة السلطة والهيمنة الاستراتيجية الفرنسية، قبل أن يستدرك قائلا: “لكن بالرغم من ذلك، مازال (حزب فرنسا) هو المتحكم في اقتصاد المغرب وأدواته التعليمية والثقافية”.
حيث شدد بوعلي على كون “الرهان على إنقاذ المدرسة العمومية هو رهان على إنقاذ المجتمع المغربي والدولة من تحكم اللوبي الفرنكفوني الذي يجرّ نحو لغة متجاوزة علميا وتقنيا بعد دراسات كثيرة أثبتت أن أيّ تطور وتنمية بغيْر اللغة الوطنية، رهان خاسر واجترار للفشل والتخلف”.