خلود رشاد-القاهرة/مصر
اشعلت تقارير تفيد باعتزام الحكومة المصرية إزالة مقبرة طه حسين عميد الأدب العربي ونقلها إلى مكان آخر جدلا واسعا.
حيث تداولت مواقع التواصل الاجتماعي صورة للمقبرة مكتوب عليها كلمة “إزالة”، وسط تعليقات بأن السلطات المصرية ستزيل المقبرة والمقابر المجاورة لها ضمن مشروع جديد لإقامة طرق ومحاور جديدة للتغلب على الأزمة المرورية والزحام في العاصمة المصرية.
وشرعت السلطات بالفعل في إزالة بعض العقارات مع تعويض سكانها، إما بسكن بديل أو بالمال، لكن تبقى الأزمة الأكبر حول إمكانية هدم مقابر يراها كثيرون تاريخية، وتمثل قيمة كبيرة، ومنها مقبرة طه حسين.
ولكن الصفحة الرسمية لمحافظة القاهرة على فيسبوك نشرت بيانا اليوم الجمعة تؤكد فيه عدم صحة ما يجري تداوله على الإنترنت بشأن نية المحافظة هدم مقبرة طه حسين.
وتضم المقبرة، الموجودة حاليا في منطقة “الخليفة”، وسط القاهرة، بالقرب من مسجد ابن عطاء الله السكندري، أيضا رفات ابنته أمينة، التي كانت من أوائل الفتيات اللائي حصلن على شهادة جامعية في مصر، ورفات زوجها الراحل محمد حسن الزيات، الذي شغل منصب وزير خارجية مصر إبان حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973.
من جانب اخر اعربت مها عون، حفيدة طه حسين، عن حزنها وصدمتها عما تردد حول إزالة مقبرته.
وأوضحت أن الأسرة لا تعلم إذا كان قرار الإزالة قد اُتخذ بالفعل أم لا، لأن الأسرة لم تتلق أي بلاغا من أي مسؤول، لكنها فوجئت بكتابة كلمة “إزالة” باللون الأحمر على جدران المقبرة، كما قطعت عنها المياه التي كانت تروي أشجارا زرعتها سوزان، زوجة الأديب الراحل، عقب وفاته.
ووصفت عون نقاش العائلة حول نقل رفات حسين إلى الخارج بأنه نقاش “مؤلم”، مشيرة إلى أنها شخصيا كانت مع فكرة نقل رفاته إلى الخارج، لكن خالها (حفيد حسين) وخالتها رفضا تماما نقل الرفات للخارج لسببين: الأول أنه لا يوجد أي شخص مدفون في مقابر العائلة يحب أن يُدفن خارج مصر، والثاني هو أن طه حسين نفسه قد وهب حياته بالكامل من أجل مصر، وبالتالي لا يجب نفيه من بلده بعد موته، على حد قولها.
وكانت قد نشرت عون تعليقا عبر حسابها على فيسبوك تقول فيه: “صدمني بشده قرار هدم مقبرة عائلة طه حسين، أن يتم اقتلاعنا من جذورنا حتى يتسنى لكوبري (جسر) أن يستقر مكان أجسادهم المدفونة”.
وكانت قد كتبت بيانا مطولا على مواقع التواصل الاجتماعي، ردا على أسئلة متكررة من صحفيين حول مصير رفات أحد رواد التنوير العربي.
وقالت إنها أرادت نقل رفات جدها، طه حسين، خارج مصر، “إلى بلد تحترم فيه السلطات سلام الموتى”، لكنها أوضحت أن عائلتها رفضت الفكرة، من منطلق ولاء جدها الشديد للبلاد.
وطالب عدد من المثقفين بعدم المساس بمقبرة عميد الأدب العربي، في حين دعا آخرون إلى نقلها إلى مكان يليق بها إذا كان ذلك ضروريا.
وكتب الأديب والباحث المصري يوسف زيدان على صفحته على موقع فيسبوك يقول: “إذا لم يكن هناك بدٌّ من هدم مقبرة رجل مصر العظيم طه حسين لا محالة، فيجب علينا فورا نقل رفاته إلى مشهد أنيق الطراز، يُبنى في الحديقة المقابلة للباب الكبير لجامعة القاهرة . يجب علينا ذلك، فورا، وإلا فإن الأمة التي لا تحترم رجالها الرواد المبدعين لن يحترمها أحدٌ في العالمين”.
وصرحت عضو مجلس النواب المصري مها عبد الناصر لوسائل إعلام محلية إنها تقدمت بطلب إحاطة للحكومة حول ما أثير عن إمكانية هدم مقبرة حسين، لكن لم يناقش الطلب بالبرلمان حتى الآن.
وأوضحت أنها خاطبت مختلف الجهات المعنية للحصول على رد وتوضيح بشأن الأمر، لكنها حتى الآن لم تحصل على تعليق من أي جهة.
وأزالت السلطات المصرية في الآونة الأخيرة، العديد من المقابر التاريخية، التي يبلغ عمر بعضها مئات السنين، بهدف توسعة الطرق وإقامة مشروعات عمرانية، وهو ما أثار العديد من الانتقادات.
وقد سعت الحكومة المصرية، على مدى السنوات الماضية، إلى بناء العديد من الجسور والطرقات الجديدة بهدف تحسين المدن.
وقد رحل طه حسين في أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، وأقيمت له جنازة ضخمة انطلقت من جامعة القاهرة. وكان من أبرز مؤلفاته الأدبية دعاء الكروان، والأيام، والمعذبون في الأرض، وفي الشعر الجاهلي، وشجرة البؤس.
وكان حسين عميدا لكلية الآداب بجامعة القاهرة، كما عُين وزيرا للتعليم في مطلع الخمسينيات من القرن العشرين ليرفع شعار “التعليم كالماء والهواء”. وأمضى بضع سنوات في بعثة تعليمية بفرنسا في بدايات القرن العشرين حيث نال أكثر من درجة علمية في الأدب والتاريخ.
ويعدّ طه حسين أحد أبرز أعلام التنوير في مصر الحديثة، وكان صاحب مشروع فكري تأثر بعدد من المفكرين العرب والغربيين.