عواصف الدعاوى القضائية تعصف بمواقع التواصل الإجتماعي
مقاضاة مدارس سياتل الأمريكية منصات التواصل الاجتماعي لخطورتها على عقول الأطفال
سيمون موريس – القاهرة / مصر
في ظل مجتمع الفضاء الإلكتروني الذي نعيش فيه وسيطرة وسائل التواصل الاجتماعي على العقول، حيث أخذت حيزا كبيرا من الحياة اليومية سواء للأشخاص البالغين أو الأطفال، واختلاف الاستخدامات سواء كانت بغرض المعرفة أو بغرض التسلية والترفيه. و في ظل تنامي ظاهرة الانتحار بين المراهقين و المشاكل النفسية و العاطفية الناجمة عن تلاعب منصات التواصل الاجتماعي بعقول و مشاعر هذه الفئة من المستخدمين.
عمد مسؤولوا المدارس العامة في مدينة سياتل الأمريكية بولاية واشنطن، برفع قضايا على منصات التواصل الاجتماعي بأنواعها فيسبوك و تيك توك وإنستغرام ويوتيوب وسناب شات، حيث يحملون الشركات المالكة لوسائل التواصل الاجتماعي مسؤولية الضرر التي تسببه للطلاب وصغار السن على مستوى الصحة النفسية الاجتماعية والعاطفية والعقلية.
ذلك أنها تلعب دورا رئيساً في تزايد ظواهر حالات الانتحار والاكتئاب النفسي والانزواء الاجتماعي و التأخر التعليمي، و جاء في اتهام هذه المنصات التركيز علي استغلال الوضع النفسي والفيزيولوجي العصبي لديهم، من خلال التلاعب بهؤلاء العملاء عن طريق الذكاء الاصطناعي واستخدام خوارزميات معقدة للتأثير علي الجانب العاطفي، وذلك بهدف ارغامهم على تمضية اكبر وقت ممكن على هذه المنصات.
وقد تكونت الدعوى من 91 صفحة رفعت في محكمة محلية في الولايات أمريكا تضمنت استغلال تلك الوسائل للطبيعة الإدمانية التي قد تسببها للأطفال، ومساهمة تلك المواقع في خفض الأداء الدراسي للطلاب مما يجعلهم أكثر عرضة لتعاطي المخدرات، كما أن الآليات التي تستخدمها منصات التواصل الاجتماعي أثرت على أداء الطلاب وعلى قدراتهم العقلية، وهو ما يؤثر على قدرة مدارس سياتل العامة على الوفاء بمهمتها التعليمية.
وجاء في ملف الدعوى أن سوء سلوك المنصات المتهمين، كان عاملا جوهريا في التسبب بأزمة صحية عقلية للشباب بنسب متباينة من القلق والاكتئاب والتفكير في إيذاء النفس، وسلك السلوك الانتحاري في معظم الحالات ، وقد ارتفعت معدلات معاناة الأطفال من مشاكل الصحة النفسية العقلية بشكل مضطرب منذ عام 2010، وبحلول عام 2018 أصبح الانتحار ثاني سبب رئيسي لوفاة الشباب من بين طلاب هذه المدراس.
وقد أكد مسؤولون المدارس العامة في المدينة الواقعة بولاية واشنطن في شمال غربي الولايات المتحدة، أن المحتوى الذي تقدمه تلك المنصات يشجع على إيذاء النفس، واستندوا في ذلك إلى زيادة نسبة الطلاب الذين أبلغوا عن شعورهم بالحزن أو اليأس لمدة أسبوعين أو أكثر على التوالي، حيث قدروا بنسبة 30% وقد توقف عدد من الطلاب عن الأنشطة التي اعتادوا عليها من بين 2009 و2019.
كما أعلنت جمعية علم النفس الأمريكية عن أرقاماً تشير إلى إرتفاع معدلات الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عام، ممن يعانون من الاكتئاب بنسبة تصل إلى 52%.
ويبقى السؤال الملح هل سينجح المدعيين بمقاضاة أصحاب المنصات؟! خاصة أن هذه الأخيرة تمتلك في جعبتها ترسانة قانونية وإمكانيات مادية مهولة تمكنها من مواجهة هذه المحاولات.
ويتمثل ذلك في تغريم شركة ميتا التي تملك فيسبوك وإنستغرام واتساب، مبلغ 403 مليون دولار في سبتمبر لعام 2022 من قبل المنظمين الإيرلنديين، بدعوى فشل هذه الشركة في حماية خصوصية الأطفال، ومبلغ414 مليون دولار في 4 يناير من نفس العام مما يستنج منه أن سياسة التغريم تبقى دون جدوى في وجود القانون الفيدرالي الحامي لأصحاب هذه المنصات .
حيث تنص المادة مائتان وثلاثين من قانون آداب الاتصالات بالولايات المتحدة، أن المنصات عبر الإنترنت ليست مسؤولة عن المحتوى المنشور من قبل أطراف ثالثة، حيث جاء الرد من جانب الدعوى القضائية، أن هذا القانون لا يحمي شركات وسائل التواصل الاجتماعي في حالة التوصية بالمحتوى وتوزيعه والترويج له بطريقة تسبب ضررا للمستخدمين .
مطالبين بضرورة تعيين متخصصين في الصحة العقلية و تطوير المناهج الدراسية حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي وتوفير تدريب إضافي للمعلمين للتصدي لتلك الجائحة.
ومن جهتها قالت شبكة ميتا: أنها قامت بتطوير أكثر من ثلاثين آلية للمراهقين والأسر، بما في ذلك أدوات للإشراف التي تسمح للأهل بتحديد الوقت الذي يمضونه على هذه المنصات.
وقال مسؤول عن السلامة العامة في شبكة ميتا “انتيغون ديفيس” في بيان له: سنواصل العمل بشكل وثيق مع الخبراء وواضعي السياسة وأولياء الأمور بشأن هذه القضية.
في الوقت الذي أطلقت فيه تطبيقات التواصل الاجتماعي برامج للحماية وتمكين الآباء من متابعة أطفالهم، حيث أكد مسؤول لشركة جوجل أن الشركة طرحت تقنيةfamily link، والتي تعمل على تعيين تذكيرات وتقييد وقت الشاشة وحظر أنواع معينة من المحتوى على الأجهزة الخاضعة للإشراف.
بينما طرح تطبيق إنستجرام تقنية التأكد من العمر، لمساعدة المراهقين في الحصول على تجارب مناسبة لأعمارهم وتحديد المحتوى المعروض إليهم بما يتناسب مع حاجيتهم.
كما قام تطبيق سناب شات بطرح نظام داخل التطبيق يسمىhere for you في عام 2020، لمساعدة الذين يعانون من أزمات نفسية و عاطفية في العثور على خبراء يساعدونهم، كما أعدت خاصية للآباء للاطلاع على من يتواصل مع أطفالهم على تطبيق سناب شات .
وعملت شركة اليوتيوب على منح الآباء القدرة على تعيين تذكيرات، والحد من وقت الشاشة وحظر أنواع معينة من المحتوى على أجهزة أطفالهم.
والجدير بالذكر عدم تفاعل منصة التيك توك مع هذه القضية المطروحة.
من جانب آخر اتهم النقاد والخبراء مؤخرا شركات التواصل الاجتماعي، باستغلال المراهقين والأطفال أمثال “فرنسيس هوجن” المخبر عن المخالفات الكبرى أمام الكونغرس قائلا أن منتجات فيسبوك تضر بالأفراد، وقد لفتت هذه القضية انظار المشرعين الذين اقترحوا قانون لضمان سلامة الأطفال في العام الماضي(KOSA) على الإنترنت، وهو الموضوع الذي تسبب في خوف أعضاء مجلس الشيوخ من أن شبكات التواصل الاجتماعي لا تطرح البرامج التي توفر الحماية الكافية، حيث منح قانون سلامة الأطفال مزيدا من التحكم في خصوصيتهم وسلامتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، مع وضع إرشادات أكثر صرامة للشركات المعنية بخصوص الأطفال دون سن 16 عاما، ومنح وسائل التواصل الاجتماعي أدوات لحماية بياناتهم وإيقاف المحتوى المسبب للإدمان والخروج من التوصيات القائمة على الخوارزمية وتطبيق أقوى الإعدادات.
كما منح للآباء حق الحصول على ضوابط للمساعدة في تحديد السلوك الضار.
يرى بعض خبراء علم النفس أن جائحة كورونا، ذادت من عمليات الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي، مما تسبب في ارتفاع نسبة الاكتئاب 31 في المئة.
ويبقى السؤال الأهم لماذا تثير تطبيقات التيك توك الجدل بهذا الخصوص؟!
ذاك تزداد خطورتة تطبيق التيك توك على الأجيال الصغيرة والمراهقة عبر انتشار ظاهرة الحوادث الناجمة على المحتوى المروج منه، أو المعروفة باسم التحديات، حيث أشارت تقارير شهر نوفمبر أن أكثر من15 طفل أنهو حياتهم بسبب التحديات المعروفة باسم بلاك أوت.
ليبقى التساؤل مطروحاً في جدلية هل المشكل يكمن في طريقة تقديم المحتوى؟!
حيث تعمل على تقنية الذكاء الاصطناعي في فهم طريقة المحتوى و اعتمادها الأساسي على الفيديوهات القصيرة، التي تثير الانتباه وتحرك المشاعر وتزيد نسبة الدوبامين، وبالتالي تشكل تأثيراً على السلامة العقلية والنفسية للأطفال والمراهقين وجميع المستخدمين للمنصة.