لا يخفى الدور الذي تلعبه جنوب إفريقيا في دعم جبهة البوليساريو الانفصالية في الصحراء المغربية، متحالفة مع النظام الجزائري الذي يسعى إلى إضعاف المغرب إقليمياً من خلال دعم حركات الانفصال، الأمر الذي يطرح لدى متتبعي هذا الملف سؤال: ماذا تستفيد جنوب إفريقيا من هذا الاصطفاف؟.
هذا الاصطفاف مع الجزائر، وفق مراقبين، مع ما تمارسه المؤسسة العسكرية الجزائرية لترويج أطروحاتها في إفريقيا، قد يحد من استفادة جنوب إفريقيا بشكل ملموس؛ ففي وقت يتجه المغرب نحو تعزيز موقعه الاقتصادي والدبلوماسي في إفريقيا، مكرساً حضوره كفاعل محوري في القارة، تجد جنوب إفريقيا نفسها مرتبطة بقضية قد تضر بعلاقاتها مع دولة إفريقية رائدة.
في هذا السياق قال العباس الوردي، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن “موقف جنوب إفريقيا في دعم الانفصال بالصحراء المغربية يعكس تعقيدات نظامها السياسي الذي عانى من الاستغلال الاستعماري والتهميش”.
وأضاف الوردي، ضمن تصريح لقوس تيفي، أن “هذا التوجه ينبع من تضليل تمارسه المؤسسة العسكرية الجزائرية على جنوب إفريقيا، التي تقع بعيداً جغرافياً عن المنطقة المغاربية، ولا تفهم بعمق تعقيدات قضية الصحراء المغربية”، وأوضح أن “المغرب أظهر دائماً حسن نية لتحسين علاقاته مع جنوب إفريقيا، كما قام بإرسال أبرز دبلوماسييه لتعزيز التعاون بين البلدين، إلا أن العلاقات مازالت تعاني من برود وجفاء؛ فيما يبدو أن هذا الجفاء يرجع إلى تأثر جنوب إفريقيا بالخطاب الجزائري”، معتبراً أنه “في ظل التحولات الدولية باتت هناك حاجة ملحة إلى إعادة تقييم موقف جنوب إفريقيا تجاه قضية الصحراء، لاسيما أن جبهة البوليساريو الانفصالية تم تصنيفها من قبل العديد من الدول والمنظمات الدولية كحركة انفصالية مدعومة من الجزائر”.
وأشار الأستاذ الجامعي ذاته إلى أن “استمرار جنوب إفريقيا في دعم أطروحات الانفصال لن يخدم مصالحها على المدى الطويل، خاصة مع تنامي الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء، ومع التوسع الدبلوماسي المغربي الذي يعزز من مواقفه على الساحة الدولية”.
من جانبه قال عبد الفتاح الفاتيحي، مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الإستراتيجية، إن “جنوب إفريقيا، التي لا تتفق مع الولايات المتحدة الأمريكية في العديد من الملفات الدولية والإفريقية، تسعى من خلال توجهها نحو الصين وروسيا ضمن إطار منظمة بريكس إلى تقوية موقفها على الساحة العالمية؛ وفي هذا السياق تحاول تشكيل تحالف مع الجزائر، التي فشلت في الحصول على مقعد داخل هذه المنظمة، لتعزيز موقفها في ملف النزاع حول الصحراء المغربية”.
وأوضح الفاتيحي، في حديث مع قوس تيفي، أن “جنوب إفريقيا، التي تسعى إلى فرض قيادتها على القارة الإفريقية، بحاجة إلى شريك من شمال إفريقيا لتعزيز مكانتها أمام الصين وروسيا، اللتين تتنافسان على النفوذ في القارة”. وترى جنوب إفريقيا في الجزائر، وفق الخبير في العلاقات الدولية ذاته، “حليفاً دبلوماسياً يساعدها في هذا الصدد، خاصة في ظل الخسائر الدبلوماسية التي تلقتها الجارة الشرقية أمام المغرب”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “دعم جنوب إفريقيا الجزائر يأتي كمحاولة لتعزيز موقفها الإقليمي، لكنه في الواقع دعم مكلف، لأن الجزائر تعاني من عزلة متزايدة بعد الانتصارات الدبلوماسية التي حققها المغرب”، مبرزاً أن “جنوب إفريقيا تعتقد أن الجزائر قد تشكل ورقة ضغط دبلوماسية على الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة بعد عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، الذي كان وراء الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء المغربية من خلال اتفاقات أبراهام”.
ولفت الفاتيحي إلى أن “تحالف البلدين ظهر أيضاً في معارضتهما منح إسرائيل صفة مراقب في الاتحاد الإفريقي، وهو ما يعكس رغبتهما في تأكيد مواقفهما السياسية للحصول على تنازلات من الولايات المتحدة، وتعزيز موقع جنوب إفريقيا كصوت للقارة الإفريقية”.
وخلص مدير مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الإستراتيجية أن “الولايات المتحدة تنظر إلى المغرب كحليف إستراتيجي خارج الناتو، وهو ما يزعج جنوب إفريقيا، لأنها ترى أن هذا الدعم الأمريكي يعزز نفوذ المملكة المتصاعد في القارة الإفريقية؛ ومن هنا تلتقي المصالح الجزائرية والجنوب إفريقية في محاولة لإبطاء وتيرة الصعود المغربي الذي يهدد مواقعهما في القارة”.