ما هي الإجراءات المتبعة بحق المهاجرين الذين أنزلتهم سفينة “أوشن فايكينغ” في فرنسا؟
محمدالحطابي – ليشبون / البرتغال
بعد أن أذنت فرنسا، في إجراء غير مسبوق، لسفينة “أوشن فايكينغ” بدخول ميناء تولون جنوب البلاد، نزل 234 ناج إلى الأراضي الفرنسية وانتهى بذلك أحد فصول أزمة سفينة الإنقاذ التي بقت عالقة في البحر المتوسط 20 يوما بانتظار الضوء الأخضر من السلطات الأوروبية لدخول “ميناء آمن”، بعد أن رفضت الحكومة الإيطالية الجديدة استقبال المهاجرين.
يوم الجمعة 11 نوفمبر، نزل جميع الناجين إلى الأراضي الفرنسية بعد عبورهم البحر المتوسط على متن قوارب متهالكة انطلقت من السواحل الليبية في رحلة خطرة كادت تهلك أرواحهم. لكن نزولهم إلى فرنسا لا يعني بالضرورة نهاية الرحلة.
وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان أوضح أن تسع دول أوروبية تعهدت باستقبال “ثلثي” المهاجرين، إذ وعدت ألمانيا باستقبال 80 شخصا، ووافقت كرواتيا ورومانيا وبلغاريا وليتوانيا ومالطا والبرتغال ولوكسمبورغ وإيرلندا على استقبال الثلث الآخر.
وأضاف دارمانان مستنكرا موقف روما “هذا هو التضامن الأوروبي الذي لم يرده الإيطاليون”، في إشارة إلى رفض السلطات الإيطالية السماح للسفينة بإنزال المهاجرين في موانئها، الأمر الذي أثار غضب المنظمات غير الحكومية التي اعتبرت أن إيطاليا فشلت في تلبية واجباتها في الحفاظ على الأرواح المعرضة للخطر.
السفن التابعة للمنظمات غير الحكومية تنفذ عادة مهمات مؤقتة في منطقة البحث والإنقاذ وسط البحر المتوسط، في محاولة لرصد وإغاثة قوارب المهاجرين المكتظة والمتهالكة التي تغادر سواحل شمال أفريقيا، لا سيما ليبيا، باتجاه القارة العجوز. وعادة تنزل هذه السفن المهاجرين في الموانئ الأوروبية القريبة، خاصة إيطاليا. لكن تغير المشهد السياسي الأخير في روما وتسلم اليمينة المتطرفة جورجيا ميلوني سدة الحكم، أدى إلى منع سفينة “أوشن فايكينغ” التابعة لمنظمة “إس أو إس ميدتيرانيه” من الدخول إلى المياه الإيطالية وإنزال الناجين.
من هم المهاجرين الذين نزلوا إلى فرنسا؟
يتحدر الناجون الـ234، من سوريا ومصر والسودان وأريتريا ومالي وبنغلادش وغينيا.
من بين هؤلاء، هناك 44 قاصرا غير مصحوبين بذويهم، وبالتالي سيتعين على فرنسا التكفل بهم جميعا دون استثناء نظرا لأنهم لم يتجاوزا السن القانوني، وبالتالي سيحق لهم الاستفادة من الحماية القصوى بموجب خدمات “رعاية الطفل” بحسب القانون الفرنسي.
نقلت السلطات هؤلاء القصر غير المصحوبين بذويهم إلى فندق في مدينة تولون، ريثما يعاد توجيههم، كلّ بحسب حالته، إلى مراكز إقامة قد تكون في مدن أخرى. وسيحق لهم إكمال تعليمهم والحصول على دعم شامل من الدولة. أي من الناحية النظرية، لن تتمكن فرنسا من ترحيلهم (إلا بعد بلوغهم سن الرشد في حال لم يتمكنوا من الحصول على أوراق الإقامة).
المهاجرون في “منطقة الانتظار”
أما بالنسبة لباقي المهاجرين، الذين يوجد بينهم رجال ونساء وعائلات مصحوبة بأطفال، فهم لا يزالون محتجزين في مركز خصصته السلطات لهم على عجل لدراسة وضعهم، ولا يحق لهم الخروج من هذا المركز. إذ أشار وزير الداخلية إلى أن المهاجرين سيكونون ضمن “منطقة انتظار”، أي من الناحية النظرية ليسوا على الأراضي الفرنسية وإنما في مركز احتجاز.
وأضاف دارمانان في تصريحاته أن السلطات ستتخذ جميع التدابير من أجل “توفير المساعدة الصحية والطبية اللازمة لركاب السفينة، ولضمان إجراء الفحوصات الأمنية المناسبة من قبل الدوائر المتخصصة”. وقررت وزارة الداخلية تفويض مكتب حماية اللاجئين “أوفبرا” إجراء فحص أولي لملفات طالبي اللجوء خلال 48 ساعة، والسماح فقط للأشخاص، الذين يرى مكتب اللاجئين أن لديهم مبررا لتقديم اللجوء، بالدخول إلى الأراضي الفرنسية وبدء الإجراءات الإدارية المعتادة.
أي ستطبق السلطات على هؤلاء المهاجرين إجراء يسمى “طلب اللجوء على الحدود”، وهو ليس الإجراء التقليدي، وكما يشير اسمه يطبق عادة على الحدود، في محطات القطار أو المطارات حيث توجد مناطق الانتظار التي يبلغ عددها 90 على كامل الأراضي الفرنسية.
وبعد إجراء مقابلة أولية موجزة مع طالب اللجوء لتقييم ما إذا كانت أسبابه “مبررة”، يحق له الدخول رسميا إلى الأراضي الفرنسية. أي أن الغرض من هذه المقابلة الأولية هو ليس تحديد نتيجة طلب اللجوء بل السماح للشخص بالبقاء في فرنسا.
وأكد الوزير أن الأشخاص الذين لا يرى مكتب اللاجئين أن لديهم أسباب تدفعهم لطلب الحماية الدولية، فسيبقون محتجزين إما في “منطقة الانتظار” أو في مراكز الاحتجاز الإداري، ريثما يرحلون إلى بلدانهم الأصلية.
فترة احتجاز لا يجب أن تتجاوز 26 يوما
لكن إشكالات عديدة تحيط بهذا الإجراء، لأنه من الصعب إجراء تقييم دقيق لهذا العدد من الملفات بوقت قصير، إضافة إلى الصعوبات المتعلقة باللغة والترجمة.
وفقا للقانون الفرنسي، لا يحق للسلطات الفرنسية احتجاز الأشخاص في هذا المكان لأكثر من 26 يوما كحد أقصى.
44 شخصا مهددين بالترحيل
بدأت السلطات بالفعل إجراء مقابلات التقييم، وحصل حتى اليوم أربعة أشخاص على إذن بالدخول إلى الأراضي الفرنسية. وأشارت جمعية “لا سيماد” إلى أن هؤلاء الأشخاص الأربعة سينقلون إلى مركز استقبال أولي (CAES) في مدينة مرسيليا ريثما يقدمون طلب اللجوء.
فيما أعلن وزير الداخلية اليوم الثلاثاء أن نتائج تقييم ملفات 44 شخصا جاءت سلبية، أي أنه لا يحق لهم التقدم بطلب لجوء وبالتالي من الممكن أن ترحلهم السلطات، وأكد درمانان قائلا “ستتم إعادتهم بمجرد أن تسمح حالتهم الصحية”.
لكن يحق لهؤلاء الأشخاص التوجه إلى القضاء واستئناف قرار وزارة الداخلية في غضون 48 ساعة من حصولهم على قرار الرفض.
إجراءات استثنائية “غير قانونية”؟
لكن هذا المركز، الذي هو أساسا مركز للعطلات قررت السلطات تخصيصه في هذه الحالة الاستثنائية لطالبي اللجوء، لا يلبي احتياجات هؤلاء الأشخاص بحسب ما تؤكد الجمعيات المحلية، لا سيما الجمعية الوطنية لمساعدة الأجانب على الحدود (Anafé).
كم أكدت مديرة الجمعية لور بالان على أن الإجراءات التي تتخذها السلطات قائمة على أساس “الحرمان من الحرية، وليس استقبال الأشخاص”، رغم الرحلة الصعبة التي مروا بها دون الأخذ بالاعتبار حالتهم النفسية.
خلال الأيام القليلة الماضية، توصلت الجمعية الوطنية (Anafé) إلى نتائج مقلقة حول عواقب هذه السياسة على طالبي اللجوء، مشيرة إلى أن الناجين “هم ضحايا تعرضوا لانتهاكات في حقوقهم الأساسية” أثناء احتجازهم في فرنسا، منبهة إلى أن الكثير من الأشخاص ليسوا على علم بحقوقهم ، وهناك مشاكل في الترجمة أثناء المقابلة مع مكتب اللاجئين (الأوفبرا)، كما أن المحادثة التي من المفترض أن تكون سرية لا تتم في مكان معزول ولا توفر شروطا تحترم خصوصيتهم.
كما أنه في هذا المركز لا تتوفر لديهم هواتف أو إمكانية زيارات أو الوصول إلى محامين وجمعيات أو حتى الحصول على دعم نفسي. وأجبرت السلطات كل مهاجر على ارتداء سوار على المعصم يحمل رقم تعريف، وأضافت الجمعية في بيان “لم تتردد السلطات في ترقيمهم دون أي احترام لشخصيتهم وهويتهم”.