زواج القاصرات في سوريا.. طفلة تنجب بعمر 15 عامًا، وأخرى تعاني أمراضا نفسية.
مصطفى الخلف – سوريا
في ظل حياة يغيب فيها الاستقرار، ويسودها النزوح والتهجير، وظروف أخرى أسهمت بزواج القاصرات، حيث يعتقد الأهالي أن هذا قد يحميهنّ من أي استغلال، وكذلك خوفًا من تركها بلا معيل.
وسط الظروف التي تشهدها سوريا أخذت حالات الزواج المبكّر ترتفع عامًا بعد آخر فبحسب بيانات وزارة العدل التابعة للنظام السوري، فإن نسبة زواج القاصرات ارتفع من 7 في المئة عام 2011 حتى 14 في المئة عام 2018، وذلك وفقاً لموقع “المشهد” المقرب من النظام.
وفي العام الحالي ولغاية نيسان/ أبريل الماضي، كان هناك 247 حالة زواج قاصر، وذلك حسبما أفادت البيانات ذاتها.
الحرب وما أرخته من ظروف اقتصادية واجتماعية وقانونية، إلى جانب الموروث الشعبي الذي لا يمكن التغافل عنه، خصيصًا في الأرياف البعيدة عن مراكز القرى والمدن، جميعا لعبت دورًا كبيراً في زيادة نسب زواج القاصرات في كل مناطق سوريا، ومناطق سيطرة المعارضة شمال غرب البلاد.
شهادات حيّة:
شهادتان يعرضهما هذا التقرير لفتاتين تزوجتا في سن مبكرة، وحصدتا نتائج كارثية.
رنيم.. ندم وعلاج لم ينته
بصوت تمتزج في مقاطعه معاني اليأس ويطفو عليه الحزن، وعينان تسكبان الشجن والأسى، ووجه طفوليّ الملاح، بدأت رنيم (اسم مستعار) حديثها لمراسل قوسTV عن زواجها في سن مبكرة قبل 6 سنوات، حيث كانت لم تتجاوز 16 عامًا، أضطرّت للزواج حسب قولها نتيجة هروبها رفقة أهلها بعيدًا عن مدينتهم حلب، التي كانت تتعرض لقصف شديد من قبل مدفعية النظام السوري، نزوحها رفقة أهلها لمخيم يؤوي نازحين، جعلها تقبل الزواج رغبةً بالخلاص من الظروف القاسية.
“حين أخبرتني أمي بتقدّم رجل للزواج مني، ظننت أنه الشخص الذي سيخلصني من الحياة الصعبة التي أعيشها، وافقت إيثار عن أهلي وإخوتي، وأملًا بعيش حياة هانئة، وتحديدًا بعد حديث والدتي عن حالتنا المعيشية، وصعوبة تأمين لقمة العيش.. رغم أنه يكبرني بعشرين عامًا، قبلت الزواج منه، وبعد أن تزوجنا بشهور عدّة بدأ يعنفني ويضربني حتى دون سبب قد يضطر أب لضرب طفله لتأديبه، في آخر مرة ضربني بها متسلّحا بآلة حادة، اُسعِفتُ إلى المستشفى، حيث كنت قد فقدت الوعي بين يديه وبدأت الدماء تخرج من مواضع عدة من جسدي، تلقيت الاسعافات في المشفى، من ثم رفضت العودة معه إلى المنزل، وقبّلت يد والدي راجيةً منه أن يطلقني.. وفعلاً بعد سجال في المحاكم دام سنة، انفصلت عنه بعد سنتين ونصف من زواجنا، عائدةً لخيمة والدي بخيبة وقهر وأمراض نفسية لم أشفَّ منها بعد.
سعاد.. طفلة تلدُ طِفلاً.
بعمر الـ15 أنجبت طفلي الأول، وقد يكون الأخير، كادت سعاد (اسم مستعار) أن تفقد حياتها أثناء المخاض، فجسمها الغض لم يحتمل أن تكون أمّاً.
تسترسل سعاد بقصة زواجها المبكر، “تزوجت في عمر الـ 14، فهذا الزواج تباركه العادات والتقاليد ولا تمانعه، لم أكن أعلم حين وافقت ما معنى الزواج، ولا المسؤولية التي تنتظرني، حتى جسدي لم يحتمل عناء الحمل، أثناء حملي بطفلي، أصبت بأمراض عدة، كذلك تعبت كثيراً نتيجة فقر الدم، ونقص الحديد، جسدي لم يحتمل أن أكون أمّا، بالكاد قضيت أشهر حملي الـ9، اقتربت ولادتي، كنت خائفة كثيرًا رغم وجود أمي وأم زوجي إلى جانبي، و في المستشفى، كدت أفقد حياتي نتيجة عدم قدرة جسدي على تحمّل أعباء الولادة عدا الوهن والضعف الذي أصابني، وكل ذلك بسبب زواجي في سن مبكرة.
فجوات قانونية:
حسب عدد من المحامين المتواجدين في الشمال السوري، يتم تزويج القاصرات في إدلب وعموم مناطق سيطرة المعارضة بحضور أحد أولياء أمر الفتاة، بصرف النظر عن عمرها.
و أفاد المحامي عمار عز الدين مدير مكتب رابطة المحاميين الأحرار في هاتاي:
يتم تزويج القاصر ضمن المحاكم الشرعية بوجود أحد أولياء
أمرها في حال كانت قد أتمت 18 عامًا من العمر حسب القانون المطبق
دون اي إشكالية وفي حال إتمام الثالثة عشرة من العمر وطلبت الزواج يجب الحصول على إذن من القاضي الشرعي
إذا تبين له صدق دعواها واحتمال جسمها أي بتقرير طبي يُثبت سلامتها الجسدية التي تؤهلها للزواج.
و يشترط موافق الولي حتى يأذن القاضي
الشرعي بإعطاء الإذن. دون الاستناد إلى قانون واضح يمنع زواج الفتاة دون سن 18 عامًا تحت أي ظرف.
وأضاف عزالدين: السبب الأبرز للزواج المبكّر بعد العادات و التقاليد يأتي ضعف القانون و التشريعات القانونية التي و إن رفعت سن الزواج لـ18 سنة و لكن أبقت على ثغرات قانونية موجودة في مواد أخرى لم يتم تعديلها أو التطرق لها تسمح بزواج الفتيات القاصرات بالإضافة العقوبات الجزائية لمخالفة هذه القوانين المنصوص عليها
في قانون العقوبات، لكن العقوبات ليست كافية لتحقيق الردع العام و الخاص لا من جهة مدة الحبس أو الغرامة لذلك يجب تعديل التشريعات و القوانين بإلغاء كافة الثغرات القانونية التي تتيح زواج الفتيات القاصرات وفي حال مخالفة القانون بعقد زواج عرفي خارج إطار المحكمة يتم فرض عقوبات جزائية و غرامات مالية على الولي الذي يوافق على تزويج ابنته القاصر ومن ثم على الزوج الذي وافق على الزواج بقاصر مما تشكل هذه العقوبات ردع خاص لمرتكب الجرم و ردع عام للمجتمع بتشديد و تنفيذ هذه العقوبات
كما و يجب إلغاء القوانين التمييزية ضد المرأة الموجودة في القوانين السورية كقانون الأحوال لشخصية السوري و قانون الأحوال المدنية و قانون الجنسية ورفع التحفظات عن اتفاقية سيداو و هي
“معاهدة دولية توصف بأنها وثيقة حقوق دولية للنساء انضمت سوريا إليها بتاريخ 25 / 9 / 2002 . أبدت سورية تحفظات كرست التميز ضد المرأة وانتهاك لحقوقهن ويعتبر تنفيذها من شأنه الحد بالقضاء على زواج القاصرات الذي يعتبر “انتهاكا صارخا لحقوق النساء وفق القانون الدولي”
عواقب صحية خطيرة:
لتبيين الآثار الصحية الناتجة عن الزواج المبكّر، تقول الطبيبة أمينة زيدان في تصريح خاص لقوس TV، إن زواج القاصرات في سنِّ مبكر يؤدي لمشكلات صحية ونفسية.
وتوضح زيدان وهي طبيبة عاملة في مشافي ادلب: إن الفتيات اللاتي يتم تزويجهنّ في سنٍّ مبكرة غالبا ما يتعرضنّ لارتفاع التوتر الشرياني الحملي والانسمام الحملي عدا عن الولادة العسيرة، المجيئات المعيبة، وكثيرا منهنّ لا تستطع أجسادهن تحمل الولادة الطبيعية مما يضطرنا للجوء إلى الولادة القيصرية وكذلك فقر الدم و الإجهاض ناهيك عن اكتئاب ما بعد الولادة كذلك قد تكون الفتاة عرضة للأمراض المنتقلة بالجنس بشكل أكبر.
وتلفت زيدان أنها شهدت عمليات وولادات ومراجعات فتيات تزوجن بسنِّ مبكرة للمراكز الطبية التي تتواجد فيها، وإن نسبتهنّ ليست بالقليلة.
هذا وماتزال هذه الظاهرة تتزايد يومًا بعد آخر دون أن يقف القانون صارخا في وجهها، رغم مئات الحالات التي انتهت بالطلاق أو بأمراض صحية للطفلة، أو بأخرى نفسية في أحسن الأحوال.