أزمة جديدة في المتوسط بعد قراراإيطاليا بعدم استقبال سفن الإنقاذ الإنسانية في موانئها
محمد الحطابي – ليشبون / البرتغال
على مدار الأيام القليلة الماضية، سمحت إيطاليا بإنزال المهاجرين القاصرين والمرضى فقط، ثم استتبعت القرار بإنزال العائلات أيضا. لاحقا سمحت لكل من “هيومانيتي 1″ و”جيو بارنتس” و”رايز أباف” بالرسو في أحد موانئ صقلية لإنزال كافة المهاجرين على متنها، في حين لم تلب أيا من نداءات سفينة “أوشن فايكنغ” التي تحمل 234 مهاجرا، والتي لم تجد بدا من التوجه إلى فرنسا لإنزالهم هناك.
كثير من الأخذ والرد صاحب قرار السلطات الإيطالية، شمل أيضا جدالا اندلع بين كل من روما من جهة، وباريس وبرلين من جهة أخرى، حول ضرورة السماح بإنزال كافة المهاجرين.
وسط كل هذا الجدال، ماذا يقول القانون البحري الدولي بشأن مسؤولية الدول (في هذه الحالة إيطاليا)، عن استقبال الناجين؟ وهل من تناقض بين القوانين الدولية والمحلية بهذا الصدد؟ خاصة وأن الحكومة الإيطالية أصدرت عددا من القرارات، من ضمنها مرسوم صادر في 4 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري يمنع السفن المعنية (الإنسانية) “التوقف في المياه الإقليمية الإيطالية لفترة أطول من اللازم لضمان عمليات الإنقاذ ومساعدة الأشخاص في حالات الطوارئ والحالات الصحية الحساسة (حصرا)”.
القانون الدولي وحماية من يتم إنقاذهم في البحر
يلزم القانون البحري الدولي الدول الموقعة على الاتفاقيات المتعلقة بالبحار على “إنقاذ حياة البشر المهددين بالغرق”.
وبحسب “الاتفاقيات الدولية للبحث والإنقاذ ” البحري التي أصدرتها الأمم المتحدة في عامي 1979 و1982، فإن جميع الدول الموقعة عليها مسؤولة عن إنقاذ من هم بحاجة للمساعدة وعلى مقربة من موانئها، ونقلهم إلى مكان آمن. كما تنص التعديلات الملحقة على تلك الاتفاقيات على تنظيم عمليات إنزال الناجين بأسرع وقت ممكن وفي ميناء آمن.
وفي بيانها الصادر يوم الثلاثاء، قالت جمعية الدراسات القانونية حول الهجرة (ASGI) إن عمليات الإنقاذ تكتمل مع وصول جميع الناجين إلى ميناء آمن.
الجدير بذكره هنا هو أن القانون البحري لم يأت على ذكر سفن الإنقاذ التابعة للمنظمات الإنسانية، والتي بدورها تقوم بتنسيق أنشطتها تباعا مع مراكز البحث والإنقاذ التابعة للدول التي تتواجد ضمن إطارها الإقليمي. ففي هذه الحالة مثلا، تقوم سفن الإنقاذ بتنسيق عملياتها مع مركز تنسيق الإنقاذ البحري في روما، الذي بدوره يمكن أن يطلب من تلك السفن التدخل لإنقاذ أشخاص ضمن إحداثيات معينة، تماما كما يطلب من السفن التجارية والسياحية التي تمخر المتوسط ويتصادف مرورها بالقرب من أشخاص يحتاجون للمساعدة.
هل الدولة صاحبة الميناء الأقرب ملزمة قانونا باستقبال الناجين؟
القانون واضح من ناحية ضرورة نقل من يتم إنقاذهم إلى مكان آمن، ولكن لم يتم تحديد طبيعة ذلك المكان. المنظمة البحرية الدولية (IMO) نوهت عدة مرات إلى أن تحديد المكان الآمن هو مسألة خاضعة لكل حالة على حدة. النقطة الحاسمة هنا هو المكان الذي يسمح بإنهاء حالة الطوارئ بشكل أسرع وأكثر فعالية من غيره.
لكن في هذه الحالة، تمنع إيطاليا سفن الإنقاذ القريبة نسبيا من الرسو في موانئها. من الجانب القانوني، يبدو أن قرار السلطات الإيطالية، على الرغم من انتهاكه للاتفاقيات المشار إليها أعلاه، لا يحمل أي تبعات قانونية. كما يوضح رومان ماريشال، المحامي المتخصص في القانون الدولي للبحار، قائلا لمهاجر نيوز “ليس هناك أي فرصة تقريبا لفرض عقوبات على إيطاليا بسبب هذا النوع من السلوك”، ويضيف “الدولة وحدها هي صاحبة السيادة، وهي التي تقرر المعيار الذي تريد اتباعه”.
وأشار الخبير القانوني إلى أنه “من الناحية القانونية الدولية، لا توجد هيئة لديها سلطة تتخطى السلطة الوطنية للدولة المعنية، أو قادرة على معاقبتها”، ويتابع “هناك محكمة العدل الدولية، ولكن سيتعين على دولة أخرى رفع القضية أمامها في هذه الحالة”.
ومن ضمن الانتهاكات المسجلة على قرار السلطات الإيطالية، انتهاك معاهدة جنيف المتعلقة بواجب تقديم الحماية الدولية لمن يحتاجونها. فحسب جمعية الدراسات القانونية حول الهجرة، قرار إيطاليا إبقاء المهاجرين على متن السفن حرمهم، من ضمن أمور أخرى، “من التماس الحماية الدولية وفقا لاتفاقية جنيف لعام 1951، وهي عملية لا يمكن القيام بها بالتأكيد على متن السفن”.
القوانين الأوروبية
وأشارت الجمعية في بيانها إلى قانون صادر في 21 حزيران/يونيو 2011 عن مجلس أوروبا (Resolution 1821) ينص على أن المكان الآمن “لا يقتصر على الحماية الجسدية للأشخاص فقط، بل يشمل بالضرورة احترام حقوقهم الأساسية”. وفي هذا الإطار، حظر كل من ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي وكذلك المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان عمليات الطرد الجماعي، الأمر الذي حاولت إيطاليا القيام به من خلال مطالبة سفينة “هيومانيتي 1” بالعودة إلى البحر مع 35 مهاجرا ما زالوا على متنها.
وتابع بيان المنظمة الحقوقية “في هذا الصدد، مارست السلطات الإيطالية تمييزا تعسفيا بين الأشخاص الناجين… بدلا من تقييم حالة الجميع بشكل فردي…”.
وبموجب المادة الرابعة من بروتوكول الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، فإن هذا الفعل محظور.